في أغلب الأحيان، تكون الكتابة حاجة، درب من دروب العلاج، مسكّن للآلام أو صديق يحملك بعيدًا عن الكبت المستمر والاحتفاظ بالألم داخلًا. وفي مواقع مختلفة، تكون الكتابة كأس إضافيّة من السعادة، فتكتب سعيدًا ناشرًا للسعادة، نبيّ أو رسول، أو تاجر للمخدّرات. أو في أدقّ وصف: صاحب حانة، لا تمنحهم إلّا ما يملكون في أحشائهم، إذ تقول الرواية إن الكحول يُخرج ما بداخلك فقط، لا يمنحك إلّا بعض الشجاعة لتقول وتفعل ما تفكّر به. ولكن، ما علاقة هذا كلّه بما سيُكتب هنا ؟ لا علاقة. ومن يبحث عن العلاقة بين الجمل، ليخرج سريعًا من هنا، فهذه المدوّنة ليست إلّا مساحة.

الأحد، 14 يونيو 2015

كمال خطيب، من طائفي إقصائي إلى طائفي إرهابي

يستحيل المرور على مقالة نائب رئيس الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني، كمال خطيب، التي نشرها اليوم في موقع الحركة الإسلامية، مرور الكرام، ففي المقالة الذي تمنّى في نهايتها أن يصاب المثليين وكل من يدافع عنهم بالإيدز، انتقال واضح من نهج عدم تقبّل الرأي الآخر الذي اعتدنا عليه من قبل نشطاء الحركة الإسلامية عموماً، ونائب الرئيس فيها تحديداً، إلى عدم تقبّل الآخر بالمفهوم الرمزيّ للمصطلح، والماديّ أيضاً، أي قتل الآخر، وهو ما يُسمّى بلغتنا الحديثة الإرهاب، ويوصف بالمجازر الجماعية.


كتب خطيب، مقالته المخزية هذه، تعقيباً على زواج رئيس وزراء لوكسمبرغ من صديقه البلجيكي، ويحق لخطيب أن ينتقد وأن يعبّر عن رفضه، فهو لم يقل يوماً أنه من المؤمنين بالحرية الشخصية والجنسية. إلّا أنه تمادى هذه المرة كثيراً، فانتقد وجود المثليين في مناصب عليا من إيمانه بأنهم شذوذ. واصفاً المجتمعات التي تتقبّل فكرة التعدّدية الجنسية بأنها "تترنّح أمام انحطاط أخلاقي وانتكاس في للفطرة". 

من المعروف أن الإسلاميين، يتمنون بشكل عام، ما لا يستطيعون تغييره أو الحصول عليه بقوة اليد، أي أنهم لو استطاعوا ضمان السلامة خلال السفر، لما قاموا بدعاء السفر أصلاً واختصروا الطريق. ولو استطاعوا أن يُسقطوا المطر عنوة لما صلّوا صلاة الاستسقاء، وبالتالي لو ملك نائب الحركة الإسلامية السلطة والسلاح لما قام بالدعاء على المثليين بالإصابة بالإيدز، وقتلهم هو بيده. كان هذا مجرّد حساب بسيط أردت من خلاله أن أوضح الخطورة في مقال خطيب، والتي تستوجب من أحزابنا العربية وقياداتها أن يخرجوا ليستنكروا ما قاله خطيب كما يستنكرون ما تقوم به داعش بالضبط، والسؤال لماذا لم يقم أحداً بالخروج والرد على خطيب ؟ 

كان الدافع الأكبر لكتابتي هذه المقالة، هو لماذا لم يقم باستنكار ما قاله خطيب على الرغم من خطورته على الإنسان المثليّ بشكل خاص، وكل من يؤمن بفكرة التعدّدية الجنسية بشكل عام، خاصة أن خطيب لم يتمنّى الموت للمثليين فقط، بل تمادى بتمني الموت لكل من كتب ودافع ونشر عن القضية ؟ ولو كان خطيب قد خرج ليتمنّى للمسيحيين الإيدز ؟ أما كان الجميع سيخرج ليستنكر ولربما يقاتل لأجل الطائفة ؟

بلا، كانوا سيخرجون جميعاً للدفاع عن الطائفة، الطائفة التي يتعصّب إليها مجموعة من البشر، ولعل عدم وجود طائفة تؤمن بالحرية وتكون الحرية فيها جوهراً وليس مجرّد كمالية هو ما أدّى إلى انعدام التضامن واستنكار قتل الإنسان بسبب حريّته في الزواج وممارسة الجنس. 

لم يكن مقال خطيب خال من الرسائل السياسية أيضاً، وانعدام الرد على التصريحات السياسية جعلني في حيرة أكثر ممّا كنت عليه حول دوافع عدم الخروج من قبل أي سياسي لاستنكارها. فقبل أن يتمنّى الموت خطيب للمثليين أن يصابوا بالإيدز والأمراض القاتلة، قال إن "جمعيات مشبوهة من بلادنا وصحف صفراء وكتّاب مأجورين راحوا يروّجون لهذا الشذوذ"، وأود لو نقف جميعاً عند كلمة "جمعيات مشبوهة". ما كتبه خطيب هنا يتعدّى التخلّف والإرهاب، وبرأيي إن اختيار كلمة مشبوهة للجمعيات التي تدعم المثليين وحقّهم في الزواج نابع من إيمان خطيب بأن القضية ليست سياسية ولا قومية بقدر ما إسلامية. وهذا ما لم منه منذ الوقت الذي قال فيه إن الخلافة الإسلامية آتية لا محالة. والفرق أن الكثيرين حينها خرجوا للاستنكار فيما صمتوا جميعاً، صمتوا حين قال إن كل من هو خارج الإجماع الإسلامي مشبوه.

تصريح خطيب فيه من الإرهاب والطائفية العمياء أكثر ممّا فيه من تخلّف ورجعية وعقلية إلغاء الرأي الآخر، إلغاء الآخر كاملاً لا يمكن السكوت عليه، أن تكون الأفكار الداعشية بيننا أمر لا يمكن السكوت عليه، فتصريح نائب رئيس تيّار سياسي يعد الأول تقريباً من حيث عدد الكوادر ليس أمراً بسيطاً ونستطيع التعامل معه وكأنه لم يحصل. هذا تصريح يتوجّب على الجميع التصدّي واستنكاره لا نطلب أكثر من ذلك، فهو لا يمس بالمثليين بالقدر الذي يمس بالمجتمع ككل، ولا يمس بالمثليين بالقدر الذي يمس فيه بالإجماع الوطني وليس الإسلامي، ولا يمس بالمثليين بالقدر الذي يمس فيه بالمجتمع ككل.

ونهاية، لا يستحق خطيب ومقاله أكثر ممّا كُتب، ولم يكتب ما كُتب رداً على خطيب بل منعاً للداعشية المبطّنة في صفوف الحركة الإسلامية.